العين البرئية في رسوم الأطفال

دراسة تعبيرية للإبداع الفطري
مقدمة
يُعد مفهوم “العين البرئية” مصطلحاً يرتبط بفهم الرسومات التي ينتجها الأطفال في مراحلهم المبكرة. هذه الرسومات تعكس نقاء الإدراك وفطريته بعيداً عن القواعد الأكاديمية أو التأثيرات الثقافية المعقدة. تمتاز عين الطفل البرئية بأنها ترى العالم كما هو، بسطحية وبساطة تعكس رؤيته الصادقة والخالية من التحيزات المكتسبة. المقالة التالية تستعرض خصائص “العين البرئية”، وتطورها عبر مراحل النمو، وكيف تُعبّر عن نفسها من خلال الرسوم الطفولية.


مفهوم العين البرئية
يشير مصطلح “العين البرئية” إلى قدرة الأطفال على رؤية الأشياء وتمثيلها بطريقة عفوية وخالية من التعقيد. هذه العين تُفسر العالم المحيط اعتماداً على ما هو جوهري وأساسي للكائنات، دون الالتفات إلى التفاصيل الدقيقة أو الخصائص غير المرئية. فعلى سبيل المثال:
قد يرسم الطفل منزلاً على شكل دائرة مغلقة لأنه يرى “الكتلة” الأساسية لهذا المنزل، متجاهلاً الزوايا والحواف.
قد يستخدم الطفل بقع الخربشة لتمثيل الأذنين أو الفم لأنه يركز على الوجود الرمزي للجزء بدلاً من تفاصيله الدقيقة.
 
خصائص العين البرئية في الرسومات
البساطة الرمزية:
تعتمد رسومات الأطفال على أشكال بدائية مثل الدوائر والخطوط للتعبير عن الأفكار.
تُظهر الرسومات الأولية ميلًا للتركيز على العناصر الأكثر وضوحاً وأهمية، مثل الرأس في رسوم الأشخاص أو الكتلة في رسوم المباني.
التعبير عن العلاقات المكانية:
تستخدم “العين البرئية” العلاقات الأساسية مثل الاتصال والإحاطة لتمثيل الترتيب بين الكائنات.
مثال: وضع الأذنين على جانبي الرأس أو تمثيل الأرجل كخطوط متصلة بالرأس مباشرة.
الإبداع الفطري:
يظهر الإبداع في كيفية استخدام العلامات البسيطة لتصوير مفاهيم معقدة.
على سبيل المثال، قد يرسم الطفل طائرة باستخدام خطين متقاطعين لتمثيل الأجنحة والجسم.
التركيز على الأبعاد البارزة:
يُلاحظ أن الأطفال يميلون إلى تمثيل الامتداد (مثل الطول أو العرض) بدلاً من التفاصيل الدقيقة.
يظهر هذا في أشكال “الشرغوف”، حيث يتم تمثيل الرأس والجسم بدائرة، بينما تُستخدم خطوط طويلة لتصوير الأطراف.


مراحل تطور “العين البرئية”
المرحلة الأولى:
تتميز بالخربشات العشوائية التي تُظهر بداية فهم الطفل للعلاقات المكانية.
مثال: رسم خطوط أفقية أو رأسية ونقاط لتعبير عن الحركة أو الكائنات.
المرحلة الثانية:
تبدأ الرسومات في التماسك، مع ظهور أشكال دورانية أو متعرجة تُعبر عن الحركة أو الأبعاد.
مثال: رسم الطفل دائرة كبيرة تمثل رأس شخص، مع إضافة خطوط جانبية تمثل الأذرع.
المرحلة الثالثة:
يظهر تعقيد أكبر في الرسومات، مع إدراك العلاقات الطوبولوجية مثل الإغلاق والتوازي.
مثال: رسم منزل بأبواب ونوافذ متصلة يعكس وعي الطفل بترابط الأجزاء.
تأثير “العين البرئية” على الإبداع الفني
البعد الرمزي:
تُمثل رسومات الأطفال مفهوم “التعميم المفرط”، حيث يتم استخدام رمز واحد للإشارة إلى خصائص متعددة.
على سبيل المثال، استخدام دائرة واحدة للإشارة إلى التفاحة أو الكرة أو الجرس.
المرونة التعبيرية:
تعكس رسومات الأطفال قدرة على استنباط الرموز والتعبير عنها بطرق مرنة وغير متوقعة.
يظهر ذلك في تمثيل الحركة أو الزمن من خلال الخربشات أو الخطوط المتعرجة.
الإبداع الفطري:
مثلما يمكن للطفل استخدام كلمات بسيطة لإنشاء جمل معقدة، فإن رسومه تُظهر قدرة على تمثيل الأفكار باستخدام عناصر بصرية قليلة.


أهمية “العين البرئية” في فهم العالم
التعبير الصادق عن الواقع:
تُظهر رسومات الأطفال كيف يرون العالم من منظورهم الخاص، بعيداً عن التحليل المعقد.
مثال: رسم منزل مع شخص بداخله يُظهر قدرة الطفل على الجمع بين الداخل والخارج في صورة واحدة.
الرمزية البصرية:
تقدم رسومات الأطفال نموذجاً لفهم العالم بشكل شامل ومترابط.
تُظهر الرموز البصرية المستخدمة كيفية تبسيط الطفل للواقع وتمثيله وفقاً لأولوياته الإدراكية.
العلاقات المكانية والزمنية:
تُظهر “العين البرئية” إدراكاً للعلاقات بين العناصر المختلفة، مثل الترتيب المكاني أو الحركات الديناميكية.
مثال: رسم الأوراق المتساقطة بخطوط عمودية تعكس تصور الطفل للحركة.
 
رؤية عامة:
“العين البرئية” في رسوم الأطفال تُظهر جوهر التعبير الإبداعي الذي ينبع من إدراك فطري نقي للعالم. تعكس هذه الرسوم علاقة الأطفال الأولية بالعالم المحيط بهم، حيث يُمثلون الأفكار والمفاهيم باستخدام رموز بسيطة ومبتكرة. يُعد فهم “العين البرئية” مفتاحًا لفهم تطور الإبداع البصري والإدراك لدى الأطفال، مما يؤكد أهمية دراسة هذه الرسومات كوسيلة لفهم نموهم الإدراكي والفني.